فصل: تفسير الآية رقم (102):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (94):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [94].
{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا} إنما ذكره بالواو، كما في قصة عاد، إذ لم يسبقه ذكر وعد يجري مجرى السبب له بخلاف قصتي صالح ولوط، فإنه ذكر بعد الوعد، وذلك قوله: {وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: من الآية 65]، وقوله: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْح} [هود: من الآية 81]، فلذلك جاء بفاء السببية. أفاده القاضي.
{وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ} أي: بالعذاب: {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} أي: ميتين.

.تفسير الآية رقم (95):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} [95].
{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ} أي: يقيموا: {فِيهَا أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} شبههم بهم، لأن عذابهم كان أيضاً بالصيحة، وكانوا قريباً منهم في المنزل، نظراءهم في الكفر وقطع الطريق، وكانوا أعراباً مثلهم.

.تفسير الآية رقم (96):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [96].
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} أي: التسع: {وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} وهو العصا. وكانت أبهر معجزاته، فلذا خصت، أو هو الآيات، والعطف للإشارة إلى الجمع بين كونها آيات وسلطاناً واضحاً على رسالته.

.تفسير الآية رقم (97):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [97].
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ} أي: بالكفر بموسى، أو طريقة فرعون الجائرة.
قال الزمخشري: هذا تجهيل لمتبعيه، حيث شايعوه على أمره، وهو ضلال مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل. وذلك أنه ادعى الإلهية، وهو بشر مثلهم، وجاهر بالعسف والظلم والشر الذي لا يأتي إلا من شيطان مارد، فاتبعوه وسلموا له دعواه، وتتابعوا على طاعته.
{وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} أي: بمرشد، أو ذي رشد، وإنما هو غي وضلال.

.تفسير الآية رقم (98):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [98].
{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: يتقدمهم إلى النار، كما كان يقدمهم في الدنيا إلى الضلال: {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} أي: يوردهم. وإيثار لفظ الماضي للدلالة على تحققه والقطع به. وشبه فرعون بالفارط الذي يتقدم الواردة إلى الماء، وأتباعه بالواردة، والنار بالماء الذي يردونه.
ثم قيل: {وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} أي: بئس الذي يردونه النار، لأن الورد- وهو النصيب من الماء- إنما يراد لتسكين الظمأ، وتبريد الكبد، والنار على الضد من ذلك.

.تفسير الآية رقم (99):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} [99].
{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ} أي: الدنيا: {لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: يلعنون في الدنيا والآخرة، فهي تابعة لهم أين كانوا، فـ: {يوم} معطوف على محل {في} هذه؛ لابتداء كلام.
{بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُود} أي: بئس العطاء المعطى، وهي اللعنة في الدارين.

.تفسير الآية رقم (100):

القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائمٌ وَحَصِيدٌ} [100].
{ذَلِكَ} إشارة إلى ما قص من أنباء الأمم: {مِنْ أَنبَاء الْقُرَى} أي: المهلكة: {نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} أي: بالوحي: {مِنْهَا قَائمٌ} أي: باق ينظر إليها، قد باد أهلها: {وَحَصِيدٌ} أي: ومنها عافي الأثر كالزرع المحصود.

.تفسير الآية رقم (101):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [101].
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بإهلاكنا إياهم: {وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} أي: بتعريضها لما أوجبه من الشرك وعبادة الأوثان والظلم: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} أي: إهلاك وتخسير.

.تفسير الآية رقم (102):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [102].
{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} فيه إشعار بظلمهم وإعلام بسنته تعالى في أخذ الظالمين التي لا تتبدل، وإنذار كل ظالم ظلم نفسه، أي: غيره، من سوء العاقبة.

.تفسير الآية رقم (103):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} [103].
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: فيما قص في هذه السورة، أو في أخذ الظالمين: {لآيَةً} أي: لعبرة: {لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ} فيعتبر بها عن موجباته: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} أي: يشهده الأولون والآخرون، وأهل السماء والأرض.

.تفسير الآية رقم (104):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ} [104].
{وَمَا نُؤَخِّرُهُ} أي: ذلك اليوم: {إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ} أي: لمدة محدودة.

.تفسير الآية رقم (105):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [105].
{يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} أي: بإذن الله تعالى، كقوله تعالى: {لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ: من الآية 38]، {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}.

.تفسير الآية رقم (106):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [106].
{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} الزفير: إخراج النفس مع صوت ممدود، والشهيق: رده. كني بهما عن الغم والكرب، لأنه يعلو معه النفس غالباً. أو شبه صراخهم بأصوات الحمير.

.تفسير الآيات (107- 108):

القول في تأويل قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [107- 108].
{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي: غير مقطوع، ولكنه ممتد إلى غير نهاية.
وفي التوقيت بـ: {السماوات والأرض} وجهان:
أحدهما: أن يكون عبارة عن التأبيد ونفي الانقطاع، كقول العرب: ما أقام ثبير، وما لاح كوكب وما طما البحر ونحوها، لا تعليق قرارهم في الدارين بدوام هذه السماوات والأرض، فإن النصوص دالة على تأبيد قرارهم، وانقطاع دوامهما.
وثانيهما: أن يراد سماوات الآخرة وأرضها، إذ لابد لأهلها من مظل ومقل، قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: من الآية 48]، وقوله: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: من الآية 74].
فإن قلت: ما معنى الاستثناء بالمشيئة، وقد ثبت خلود أهل الدارين فيهما من غير استثناء؟.
فالجواب ما قدمناه في قوله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه} [الأعراف: من الآية 188]، يعني أن الاستثناء بالمشيئة قد استعمل في أسلوب القرآن، للدلالة على الثبوت والاستمرار.
والنكتة في الاستثناء بيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة إنما كانت كذلك بمشيئة الله تعالى بطبيعتها في نفسها، ولو شاء تعالى أن يغيرها لفعل.
وقد أشار لهذا ابن كثير بقوله: يعني أن دوامهم ليس أمراً واجباً بذاته، بل موكول إلى مشيئته تعالى.
وابن عطية بقوله: هذا على طريق الاستثناء الذي ندب الشارع إلى استعماله في كل كلام، كقوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: من الآية 27] فليس يحتاج أن يوصف بمتصل ولا منقطع.
وللمفسرين هنا وجوه كثيرة، وما ذكرناه أحقها وأبدعها.
ولما قص تعالى قصص عَبْدة الأوثان وذكر ما أحله بهم من نقمة، وما أعد لهم من عذابه قال:

.تفسير الآية رقم (109):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ} [109].
{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء} أي: في شك من عبادتهم، في أنها ضلال مؤد إلى مثل ما حل بمن قبلهم. وفيه تسلية له صلوات الله عليه، وعدة بالانتقام، ووعيد لهم {مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ} أي: فهم سواء في الإشراك، وقد بلغك ما نزل بآبائهم، فسيحل بهم مثله. وهو استئناف معلل للنهي عن المرية: {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} أي: من العذاب، كما وفي لآبائهم: {غَيْرَ مَنقُوصٍ}.

.تفسير الآية رقم (110):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} [110].
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب} أي: التوراة: {فَاخْتُلِفَ فِيهِ} أي: آمن به قوم، وكفر به آخرون، كما اختلف هؤلاء في القرآن: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} يعني ما أشير إليه في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: من الآية 33]، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي: باستئصالهم: {وَإِنَّهُمْ} أي: هؤلاء، وهم كفار مكة: {لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} أي: القرآن: {مُرِيبٍ} أي: موقع للناس في الريبة.

.تفسير الآية رقم (111):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [111].
{وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي: فلا يخفى عليه شيء منه، وسيجزيهم عليه. والتنوين في {كُلاًّ} عوض عن المضاف، أي: وإن كل المختلفين فيه.
تنبيه:
في هذه الآية قراءات: قرئ {إنه} و{لما} مخففتين ومشددتين، وبتخفيف {إن} وتشديد {لما} وبعكسها، وهذه الأربع قراءات كلها متواترة.
فأما الأولى: ففيها إعمال {إن} المخففة، وهي لغة ثابتة عن العرب، واللام في {لما} لأمر الابتداء داخلة في خبر {إن}. وما إما موصولة بمعنى اللذين واقعة على من يعقل، واللام في {ليوفينهم} جواب قسم مضمر، أي: وإن كلا الذين، والله ليوفينهم. وإما نكرة موصوفة، والجملة القسمية وجوابها صفة ما أي: وإن كلا لخلق، أو لفريق، والله ليوفينهم. وقيل: اللام الأولى موطئة للقسم، ولما اجتمع اللامان واتفقا في اللفظ فصل بينهما بـ ما فهي زائدة لإصلاح اللفظ. وقيل: اللام المذكورة هي الفارقة بين المخففة والنافية. وقيل: إنها جواب القسم كررت تأكيداً.
وأما الثانية: وهي تشديدهما، فـ: {إن} على حالها وما بعدها منصوب على أنه اسمها، و{لما} بمعنى إلا أو جازمة بمعنى لم ومجزومها محذوف، أي: لما يمهلوا، أو لما يوفوا أعمالهم إلى الآن، وسيوفونها.
وأما الثالثة: وهي تخفيف {إن} وتشديد لم فـ: {إن} مخففة عاملة كما تقدم، و{لما} بمعنى إلا أو جازمة أيضاً، أو {إن} نافية بمنزلة ما وما بمعنى إلا و{كلا} منصوب بمضمر، أي: وما أرى كلا إلا.
وأما الرابعة: وهي تشديد {إن} وتخفيف {لما} فواضحة فـ: {إن} هي المشددة عملت عملها.
والكلام في اللام وما مثل ما تقدم أولاً من الوجوه الأربعة في اللام والثلاثة في ما.
وثمة قراءات أخر فلتراجع في السمين وغيره.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (112):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [112].
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} أي: في القرآن، والكاف للتشبيه، أو بمعنى على: {وَمَن تَابَ مَعَكَ} أي: من الشرك، وهم المؤمنون {وَلاَ تَطْغَوْاْ} أي: تجاوزوا حدود الله: {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي: فيجازيكم به. قال ابن كثير: يأمر تعالى رسوله والمؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة، وذلك من أكبر العون على النصر، وينهى عن الطغيان وهو البغي، فإنه مصرعة، ولو كان على مشرك.

.تفسير الآية رقم (113):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} [113].
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي: أنفسهم بالشرك والمعاصي، أي: لا تسكنوا إليهم. ولا تطمئنوا إليهم؛ لما يفضي الركون من الرضا بشركهم وتقويتهم، وتوهين جانب الحق: {فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء} أي: أنصار يمنعون عذابه عنكم بركونكم إليهم: {ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} أي: لا تمنعون مما يراد بكم. والقصد تبعيد المؤمنين عن موادة المشركين المحادّين لله ولرسوله، والثقة بهم، وهم أعظم عقبة في الصد عن سبيل الله؛ لأن ذلك ينافي الإيمان.
قيل: الآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم، والتهديد عليه، لأن هذا الوعيد الشديد إذا كان فيمن يركن إلى أهله، فكيف بمن ينغمس في حمأته؟.
تنبيه:
قال بعض المفسرين اليمانيين: الآية صريحة بأن الركون إلى الظلمة محرم وكبيرة، لأنه تعالى توعد بالنار. ولكن ما هو الركون الذي أراده تعالى؟ قلنا: في ذلك وجوه؟
فروي عن ابن عباس والأصم أن المعنى: لا تميلوا إلى الظلمة في شيء من دينكم.
وقيل: ترضوا بأعمالهم. عن أبي العالية.
وقيل: تلحقوا بالمشركين.- عن قتادة-.
وقيل: تداهنوا الظلمة. عن السدي وابن زيد.
وقيل: الدخول معهم في ظلمهم وإظهار الرضا بفعلهم، وإظهار موالاتهم. فأما إذا دخل عليهم لدفع شرهم فيجوز، لأنه تعالى أمر بالرفق في مخالطة الكفار، والظلمة أولى.
قال الزمخشري: النهي يتناول الانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم وذكرهم بما فيه تعظيم لهم. وتأمل قوله: {وَلاَ تَرْكَنُواْ} فإن الركون هو الميل اليسير. وقوله: {إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي: إلى الذين وجد منهم الظلم، ولم يقل: إلى الظالمين.
وحكي أن الموفق صلى خلف الإمام، فقرأ بهذه الآية، فغشي عليه، فلما أفاق قيل له، فقال: هذا فيمن ركن إلى من ظلم، فكيف بالظالم؟ انتهى.
قال اليماني: قد وسع العلماء في ذلك وشددوا، والحالات تختلف، والأعمال بالنيات، والتفصيل أولى، فإن كانت المخالطة لدفع منكر، أو استعانة عليه، أو رجاء تركهم الظلم، أو استكفاء شرورهم فلا حرج في ذلك، وربما وجب، وإن كان لإيناسهم وإقرارهم فلا. انتهى.
وأقول: كل هذا مبني على عموم الآية، وأما إن كانت في مشركي مكة اعتماداً على سباق الآية وسياقها، فالمراد منها ما ذكرناه أولاً- والله أعلم-.